تعيش مدينة سراييفو عاصمة جمهورية البوسنة والهرسك شهر رمضان على طريقتها.. في أجواء الروحانية والبهجة، بين الصائمين والمصلين الذين يملؤون مساجدها والسياح الذين يملؤون مقاهيها.
فبعد أن يستأنفوا صيامهم قبيل الفجر، يقصد الكثير من المسلمين المسجد الأقرب إلى بيتهم ليؤدوا الصلاة، وآخرون يلازمون منازلهم حيث يصلون مع عائلاتهم، وهي عادة شائعة عند الكثير من مسلمي البوسنة، وفي أحياء المدينة القديمة، تختلط المحجبات بنساء غير محجبات.
روح رمضان
ويتجمع المسلمون في ساحة المسجد القديم في بلدة سومبولوسا الواقعة على تلة تشرف على العاصمة. وقبل خلعهم أحذيتهم، يلتفت البعض صوب المقبرة الصغيرة حيث يرقد في ظلال أشجار الخوخ أئمة الحي السابقون، فيرفعون أكفهم بالدعاء لهم.
يقول خطيب المسجد الشاب إدين سبافيك “هذا الشهر المتميز يثير عند المؤمنين أروع المشاعر، ويقال هنا إن على المسلم الاستفادة من رمضان كما لو كان رمضانه الأخير”.
ويشدد على أهمية “التضامن” خلال هذا الشهر الفضيل، وقد أطلق أمام المصلين نداء لجمع التبرعات للصومال.. “فمساعدتنا للشعب الصومالي ليست إلا لفتة تقدير منا لله الذي أغدق بنعمه علينا”.
ويشكل المسلمون السواد الأعظم من سكان سراييفو، بنسبة تصل 80% وفق عدة تقديرات، وهي نسبة أكبر بكثير من تلك التي كانت تسجل قبل الحرب (1992-1995) عندما كان السكان أكثر تنوعا على صعيد الديانات.
ويشكل المسلمون قرابة 40% من البوسنيين البالغ عددهم 3.8 ملايين نسمة، وهم من أهل السنة وغالبيتهم من مناصري الإسلام المعتدل الذي حمله العثمانيون إلى البلقان في القرن الخامس عشر.
ومن العبادات ومظاهر الحياة الإسلامية التي توجد في البوسنة خلال شهر رمضان سنتحدث عن الأمور الأساسية:
قراءة القرآن بين صلاة الظهر وصلاة العصر وتسمى موكابلة Mukabele، حيث تختار المساجد أفضل القراء لتلاوة القرآن الكريم يوميًّا وينطبق هذا الأمر على عدة مدن في أوقات مختلفة، إذ يمكن أن تكون القراءة بين فترة السحور حتى الفجر. ولا يُعرف بالتحديد متى بدأ هذا التقليد، ولكنه بالتأكيد ذا فائدة كبيرة للمسلمين الذين لايعرفون اللغة العربية وبالتالي يأتون إلى المساجد للاستماع لتلاوة القرآن الكريم.
 الإعلان عن بدء شهر الصوم وانتهائه
كما في البلاد الإسلامية المرتبطة في تاريخها بالعثمانيين يُستخدم مدفع رمضان للإعلان عن بداية رمضان إضافة إلى وقت الإفطار، أيضًا تزين المآذن بمصابيح وتزين بعض الشوارع الرئيسة احتفالاً بالشهر الفضيل.;هناك متعة خاصة خلال هذا الشهر لأطفال المناطق الريفية الذين ينتظرون موعد الإفطار قرب المسجد حيث يصعد المؤذن على المئذنة نحو نصف ساعة قبل وقت الإفطار ليجهز مصابيح الزينة ويعدَّ البندقية التي تحلُّ محلَّ مدفع رمضان في هذه المناطق.;وبعد إطلاق مدفع رمضان لن تجد سوى القليل من الناس في الشوارع لاسيَّما في المناطق الريفية وستسمع أصوات المعالق والصحون على موائد الإفطار.
أحاديث رمضان تقليد قديم خلال شهر رمضان يكون في المساجد حيث يتداول الناس مجموعة واسعة من الموضوعات عن الأمور الدينية لاسيما أمور العبادة والعادات الإسلامية، تكون الدروس يوميًّا للنساء قبل صلاة الظهر وللرجال بعد صلاة الظهر على شكل محاضرات يقدمها طلاب المدارس الإسلامية.ويقوم طلاب المدارس الإسلامية بوظائف متعددة في رمضان مثل قراءة القرآن الكريم في المساجد وإقامة صلاة التراويح وعقد المحاضرات الدينية للحفاظ على وجود الدين الإسلامي في هذا البلد وتعليم الناس أمور دينهم. وفي نهاية رمضان يقوم الناس بتقديم الهدايا والنقود كمكافئة لجهود الطلاب خلال الشهر الفضيل.
صلاة التراويح  عشية كلَّ يوم من شهر رمضان تقام صلاة التراويح ويحرص الكثير من البوسنيون على أدائها وتحضر النساء إلى المساجد في الأماكن المخصصة لهم.
الإفطار في رمضان في رمضان يومياً يجتمع الأقارب والأصدقاء والجيران على موائد الإفطار وأحيانا تجهز موائد إفطار جماعي للبلدات والقرى وحتى في المدن الكبيرة أحيانًا.
 الحياة العامة
 تمتلئ الأسواق أثناء شهر رمضان في البوسنة والهرسك حيث تشهد فترة ما بين الظهر والعصر ازدحاما كبيرًا، إذ يسعى الصائمون إلى اقتناء حاجاتهم من الخضروات واللحوم والبقول لإعداد وجبات الإفطار قبل أذان المغرب… وفي البوسنة لا يقتصر تنظيم موائد الإفطار في رمضان على فقراء المسلمين، بل يتخطاها لتشمل جميع فقراء والمحتاجين من مختلف الديانات. وتكثر في شهر رمضان الهبات والصدقات والمنح التي تساوي المحتاجين بالأغنياء على مائدة طعام الإفطار…
وأخيرًا، بعيدًا عن أجواء الخشوع في المساجد، تعج المقاهي والمطاعم وسط المدينة بالزبائن والسياح والشباب من البوسنيين سواء كانوا من غير المتدينين أو حتى بالبوسنيين من غير المسلمين فشهر رمضان هو فرصة للبهجة والاحتفال الشعبي أيضًا في البوسنة، ومسلمو البوسنة ينظرون إلى العالم بنظرة تميز ما بين الدين الذي يندرج في إطار أخلاقي وخاص وروحي وعائلي من جهة والحياة العامة التي لا ترتبط بالإيمان من جهة أخرى. وقد يتفاجأ المسلمون القادمون من البلاد العربية أيضًا بوجود بعض الصائمين (والصائمات) من غير الملتزمين دينيًّا في البوسنة والهرسك، ولكن كما قلنا شهر رمضان هو بمثابة إثبات الهوية المسلمة لهؤلاء البوسنيين المسلمين أيضًا ولاسيما بعد الحرب الأهلية البغيضة التي قتل الناس فيها لا لشيء إلا لأنهم مسلمون.